"كنا ملكية للدولة الأسترالية": ناجية من الأجيال المسروقة انتزعت من حضن أمها في الثالثة تروي قصتها

Rhonda Collard-Spratt

Stolen generation survivor aunty Rhonda Collard-Spratt at the Carnarvon missionary school getting ready for church Source: Rhonda Collard-Spratt

احصل على تطبيق SBS Audio

طرق أخرى للاستماع

كانت روندا كولارد- سبرات فقط في الثالثة من عمرها عندما انتُزعت من عائلتها من السكان الأصليين وطُلب منها أن تنسى عائلتها وثقافتها ولغتها. العمّة روندا، الناجية من الأجيال المسروقة، تحمل اليوم صوت أجدادها وتفتخر بحضارتها التي هي أقدم حضارة عرفها التاريخ.


 ينطلق الأسبوع الوطني للاحتفال بيوم السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس، رسمياً في الأسبوع الأول من شهر  تموز/يوليو من كل سنة. إنه أسبوع نشأ عن حركة العدالة الاجتماعية، التي يقودها أشخاص يناضلون من أجل المساواة للسكان الأصليين، إذ يعد أسبوع NAIDOC أيضاً فرصة لجمع الناس معاً للاعتراف كأمة بماضينا وحاضرنا والتطلع إلى المستقبل. إنه وقت مهم للالتقاء معاً للاحتفال بتاريخ وثقافات وإنجازات السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس.


النقاط الرئيسية

  • العمّة روندا التي انتزعت من عائلتها في عمر الثلاث سنوات، ولدت في غرب أستراليا، وهي  كناجية، تحمل صوت الأجيال المسروقة.
  • شاركت في كتابة كتاب للأطفال للمساعدة في تقوية ارتباط أطفال السكان الأصليين بثقافة أجدادهم وتُمنح عائداته لمؤسسة محو الأمية للسكان الأصليين كجزء من رحلتها لشفاء الذاكرة
  • تحدثّت روندا عن ذكريات أليمة لا زالت تسكنها، استذكرت ملامح وجه أمّها، عبّرت عن فخرها لانتمائها إلى أقدم حضارة على وجه الأرض وغنّت بصوتها


تعود الناجية من الأجيال المسروقة، الكاتبة والفنانة العمّة روندا، الى حقبة مظلمة من تاريخ استراليا، الى لحظة شطرت حياتها بين دفء وغربة وغيّرت كل ملامح حياتها مستهلة اللقاء بتحيّة فخر لروح أجدادها قائلة:
أعلم أنني أنتمي إلى هذه الأرض التى وهبت لنا من أجدادنا. نحن الأولاد البكر لهذه الأرض القديمة، وأنا أحمل في داخلي في روحي القوة من أجدادي.
وتابعت قائلة:
نحن أقدم حضارة على وجه الأرض. قلبي يغنّي افتخاراً بجذوري وانحداري من السكان الأصليين وأنا أمشي على هذه الأرض المقدسة التي مشى عليها أجدادي. تاريخ أستراليا ولد في الأمس القريب، أما تاريخ أجدادي فيعود إلى بداية البدايات!

هل تذكر ملامح وجه أمها؟

ولدت العمّة روندا كولارد سبرات في كارنارفون في غرب أستراليا، وهي امرأة قوية تنحدر من قبيلة ياماتجي نونجار وهي  كناجية، اختارت ان تحمل صوت الأجيال المسروقة.

عبّرت روندا عن الآثار الجسيمة التي تطبع حياتها كناجية من الأجيال المسروقة. وأضافت أنه أمر في غاية الألم أن يسلب الطفل من حضن أمّه، أرضه، لغّته وثقافته التي تعود إلى أكثر من 60,000 سنة عاش فيها السكان الأصليون على أرض أستراليا وبذلك يشكلون أحد أقدم الحضارات على وجه الأرض، قائلة:
أن يُنزع طفل من أحضان أمه، إنه لأمر مشين. لن يستطيع أي امرء، مهما كانت ثقافته، أن يفعل ذلك إن كان يؤمن بالإنسانية.
وشرحت لنا كيف أنها وضعت في إرسالية مع أشخاص من لون بشرة بيضاء كانوا يحاولون إلغاء هوية السكان الأصليين بشتّى الطرق.
وعمّا إذا كانت تستذكر ملامح وجه والدتها، قالت روندا:
أستذكر أنه كان لدي أمٌّ في مكان ما، لأنني كنت أبلغ آنذاك الثالثة من عمري وكانت شقيقتي طفلة حديثة الولادة. لكنني لم أعرف أين أصبحت أمي، ولم يكن أحد يخبرنا أي شيء عنها لأنه في ذلك الوقت كانت حكومة غرب أستراليا تملك كل السكان الأصليين. لقد كنّا بمثابة ملكية للدولة. لم يكن لدينا أية حقوق مدنية، إنسانية أو رعائية.
Rhonda Collard-Spratt
Aunty Rhonda Collard-Spratt infront of Carnarvon missionary school Source: Rhonda Collard-Spratt

من هو الجيل المسروق؟

تشير عبارة "الجيل المسروق" إلى عدد لا يحصى من أطفال السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس الذين تم إبعادهم قسراً عن عائلاتهم بموجب سياسة الحكومة وتوجيهها آنذاك. كانت هذه سياسة ناشطة خلال الفترة بين مطلع التسعينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي. وتشير التقديرات إلى أنه خلال  تلك الحقبة، تم إبعاد ما بين 1 من كل 10 و1 من كل 3 أطفال من السكان الأصليين عن أسرهم ومجتمعاتهم ما شكّل إحدى أكثر الممارسات غير الإنسانية في تاريخ أستراليا. انتزاع الآلاف من أطفال السكان الأصليين قسراً من أحضان عائلاتهم عُرف فيما بعد باسم "الجيل المسروق".

 لم تنسلخ روندا عن أمها فحسب، ولكنّها سُلخت أيضاً عن لغتها الأم، وهي لغة العاطفة، الارتباط بالأرض، العائلة والهوية. عبّرت بألم شديد عن هذا الانسلاخ قائلة:

"عندما كنّا نتكلّم بلغتنا الأصلية، كان يقال لنا إن هذه اللغة غير لائقة وكانوا يصفوها "بالزبالة" وكنّا نعاقب ونصفع ونوّبخ بفرك  أفواهنا عند كل مخالفة. تعلّمت اليوم بأن أحب وأقبل ذاتي كما أنا، ولكن عندما كنت طفلة لم أكن أقوى على الحياة ولطالما كنت أكره ذاتي".
Rhonda Collard-Spratt
Aunty Rhonda Collard-Spratt and the co-author Jacki Ferro. Source: Rhonda Collard-Spratt

كتاب للأطفال لإحياء اللغة الأم

شاركت روندا، كجزء من رحلتها لشفاء الذاكرة في كتابة كتاب للأطفال للمساعدة في تقوية ارتباط أطفال السكان الأصليين بالثقافة والبلد. تشارك راوية القصص والفنانة ياماتجي نونغار، روندا كولارد سبرات، الناجية من الأجيال المسروقة قرّاءها الصغار قصص السكان الأصليين وتواصل رحلة الشفاء لطفولتها المسروقة من خلال كتابها الجديد،  The story of poor old Grandfather Emu, or old Weitj.
Rhonda Collard-Spratt
Stolen generation survivor aunty Rhonda with her book- The Grandfather the Emu Source: Rhonda Collard-Spratt
ستُمنح عائدات بيع كل كتاب إلى مؤسسة محو الأمية للسكان الأصليين، التي توفر الكتب وتعلم القراءة للأشخاص في أكثر من 400 من مجتمعات السكان الأصليين النائية.

وعن كتابها الصادر قالت روندا:
أردت إعادة إحياء لغتنا، والقول إن اللغة الإنكليزيّة ليست لغتنا! إنّها لغة أُدخلت على ثقافتنا وبذلك علينا استعادة ما هو لنا. علينا إعادة بناء وتقوية لغتنا لأننا ثقافة حيّة.
الجدير بالذكر أنّ الفن كان الوسيلة لحفظ ونقل حضارة السكان الأصليين التي تعود إلى أكثر من 65,000 سنة. لا يتكلّم السكان الأصليّون لغة موحدة، إنّما تتشعّب لغّتهم إلى أكثر من 400 لغة، وبذلك من خلال الفن تمكّنوا من نقل إرث حضارتهم عبر الرسومات الصخريّة والموسيقى الخاصة بهم والتي تحكي قصص ونهج أجدادهم.

وفي هذا الإطار أردفت روندا قائلة:

"كبرنا نغني أغاني خاصة بعيد الميلاد، وأنا كنت على يقين أنه كان لدينا روحانية خاصة بنا أقدم بكثير من الغزاة" .
Rhonda Collard-Spratt
Aunty Rhonda Collard-Spratt in the wood truck with missionary brothers and sisters Source: Rhonda Collard-Spratt
تعتبر روندا انّ الأرض بمثابة الأم للسكان الأصليين، والأم لا تباع!

وعمّا اذا كانت تشعر أنّها أستراليّة قالت روندا بإصرار:
عندما أُسأل ما إذا كنت أسترالية، أقول لا، لأنني أفتخر وأعترف بأصولي ولأنه حتى اللحظة هذه وأنا أجري المقابلة معك، لا يلحظ الدستور الأسترالي السكان الأصليين.

شفاء الوطن Heal Country

وعلى الرغم من أنّ شعار الأسبوع الوطني للاحتفال بيوم السكان الأصليين لهذا العام هو "شفاء الوطن" كدعوة واضحة إلى تبني المعرفة والفهم الثقافي للسكان الأصليين كجزء من التراث الوطني لأستراليا واحترام ثقافتهم وقيمهم كما يفعلون تجاه ثقافات وقيم جميع الأستراليين، إلّا أن هذا الشفاء هو مسيرة طويلة وشخصية بحسب الناجية من الأجيال المسروقة روندا. وعن هذه المسيرة أوضحت قائلة:

" لدينا تاريخ لا يحكى عنه وفي الوقت عينه يطلب منّا تخطّيه وهذا أمر من الصعب تحقيقه. فتاريخنا هو جزء من حاضرنا وهو يحيا فينا في كل وقت".  

وفي حكمة بالغة عبّرت عن افتخارها العميق بهذه الأرض التي وطأ عليها أجدادها قائلة:
نحن لا نمتلك الأرض بل الأرض هي من تملكنا. تاريخ أستراليا ولد في الماضي القريب، أما تاريخ أجدادي فيعود إلى بداية البدايات!
وعمّا إذا كان الإعتذار العلني الذي قدّمه رئيس الحكومة الأسترالي آنذاك كيفن راد كاف، لطلب المغفرة عن الإساءات المشينة التي ارتكبت بحق السكان الأصليين، قالت روندا:
طبعًا الاعتذار ليس كافياً لكنه يشكّل البداية! بالنسبة لي ولأختي، بدأت مسيرة شفائنا مع اعتراف الحكومة بهذه الإساءات التي ينكرها عدد كبير من الناس. أشكر كيفن راد على شجاعته بالوقوف وقول الحقيقة.
Rhonda Collard-Spratt
Stolen generation survivor aunty Rhonda with prime minister Kevin Rudd delivering the National apology of Australia’s indigenous people. Source: Rhonda Collard-Spratt
نشير إلى أنّه تم تخصيص أكثر من 46 مليون دولار من التمويل الجديد لتعويضات الناجين من Stolen Generation، مما يوسع نطاق التزامات حكومة نيو ساوث ويلز الحالية التي تم التعهد بها في عام 2017 استجابةً لتقرير الأعمال غير المكتمل. سيضمن هذا التمويل استمرار استجابة حكومة نيو ساوث ويلز للأعمال غير المكتملة في تزويدها بالموارد الكاملة لتقديم تعويضات فردية وجماعية للناجين من الجيل المسروق. سيخصص الجزء الأكبر من هذا التمويل الجديد - 38 مليون دولار - للتعويضات الفردية ومدفوعات المساعدة الجنائزية في إطار مخطط تعويضات الأجيال المسروقة. ويرفع هذا التمويل الجديد التزام حكومة نيو ساوث ويلز تجاه الناجين من الجيل المسروق إلى ما مجموعه 146 مليون دولار على مدى 10 سنوات.

وختمت روندا معربة عن امتنانها لأنها نجت من هذه المآسي في حين يتخبّط الكثير من السكان الأصليين بصدمات الماضي قائلة:

"أنا محظوظة جدّا لكوني ناجية. أخ لي من الإرسالية، أنهى حياته على قبر والديه لكثرة ما يحمله في ذاكرته من صدمات. عائلتي كلّها سلبت منّي لأربعة أجيال".

لكي نطوي صفحة أليمة من ذاكرتنا كأمّة، علينا أن نقرأ جيّداً ماضينا مهما كان مظلماً، ونضع الإصبع باحترام وجرأة على جرح ما زال ينزف لنسير إلى المستقبل في مسيرة شفاء. 

أسبوع NAIDOC (4-11 تموز/يوليو) يحتفي بتاريخ وثقافة وإنجازات السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس. موضوع هذا العام "لتلتئم جراح الوطن!" يدعونا جميعاً لمواصلة السعي لحماية أرضنا ومياهنا ومواقعنا المقدسة وتراثنا الثقافي من الاستغلال والانتهاك والدمار.


شارك